الاختصاص في القرآن الكريم

أمثلة على الاختصاص في القرآن الكريم:

يعد القرآن الكريم منبعًا غنيًا بالمعاني والدروس التي تمس شتى جوانب الحياة الإنسانية، وقد تميز ببلاغته وفصاحته في تحديد المفاهيم، وتوجيه الخلق إلى الحق، والدلالة على المسائل المتنوعة. ومن بين هذه المفاهيم العميقة التي تناولها القرآن الكريم بشكل دقيق، مفهوم “الاختصاص” الذي يظهر في الكثير من الآيات التي تتحدث عن تخصيص الله لفضائل أو خصائص معينة لأفراد أو أوقات أو أماكن أو أمم.

1. الاختصاص بالأزمنة:

أحد ألوان الاختصاص الذي يبرز في القرآن الكريم هو تخصيص أوقات معينة بفضائل خاصة أو مناسبات قدسية. مثال على ذلك هو شهر رمضان، الذي تم تخصيصه من بين سائر الأشهر لما له من خصائص عظيمة، وقد جاء ذكره في القرآن الكريم في قوله تعالى:

“شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ” (البقرة: 185).

لقد خصص الله شهر رمضان بإنزال القرآن فيه، ويتميز هذا الشهر بالصوم والصلاة والتوبة والدعاء، وهو شهر يتضمن ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، كما قال تعالى في القرآن:

“إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ” (القدر: 1-3).

2. الاختصاص بالمكان:

الاختصاص بالمكان هو نوع آخر من التخصيص الذي يظهر في القرآن الكريم، حيث تم تخصيص بعض الأماكن بفضائل مميزة تجذب إليها قلوب المؤمنين. ومن أبرز الأمثلة على ذلك هو المسجد الحرام بمكة المكرمة، الذي قال الله عنه في القرآن:

“إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا” (التوبة: 28).

والمسجد الحرام هو المكان الذي يتوجه إليه المسلمون لأداء مناسك الحج، وقد خصه الله بقدسية وحرمة، وأصبح مقصدًا لملايين المسلمين في كل عام. كما أن المدينة المنورة، حيث مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، تم تخصيصها بنزول الوحي ووجود النبي الكريم فيها، وهي المدينة التي تبعث فيها الروح الإسلامية وتعد نقطة انطلاق الدعوة الإسلامية.

3. الاختصاص بالأشخاص:

من الألوان الهامة للاختصاص في القرآن الكريم هو تخصيص بعض الأشخاص بخصائص أو مزايا عظيمة. فمن بين هؤلاء، الأنبياء والرسل الذين اصطفاهم الله من بين البشر لحمل رسالته وتبليغ الوحي. وقد جاء في القرآن الكريم تخصيص بعض الأنبياء بوصفهم “أولي العزم” مثل رسول الله نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، كما جاء في قوله تعالى:

“وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْنَاكَ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ” (آل عمران: 81).

وقد جعل الله هؤلاء الأنبياء مثالاً للثبات على الحق، والصبر على البلاء، والصدق في التبليغ.

4. الاختصاص بالمزايا والصفات:

يخصص القرآن الكريم بعض المزايا والصفات للمؤمنين الصادقين، ويربطهم بالأجر العظيم والخلود في الجنة. على سبيل المثال، خصص الله المؤمنين بالوعد بالجنة في العديد من الآيات، كما قال تعالى:

“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ” (الفرقان: 15).

وقد خص الله المؤمنين بالرحمة والمغفرة والمكانة العليا عنده في الآخرة، كما جاء في قوله تعالى:

“وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ” (آل عمران: 110).

5. الاختصاص بالقرآن الكريم:

القرآن الكريم نفسه يعد نموذجًا للاختصاص، حيث اختصه الله تعالى بين سائر الكتب السماوية ليكون دستورًا نهائيًا للبشرية، يضمن لهم الهداية والصلاح في الدنيا والآخرة. وقد قال الله تعالى عن القرآن:

“إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” (الحجر: 9).

كما خص الله القرآن ببلاغة وقدرة على التوجيه والإصلاح، حيث جاء في قوله تعالى:

“وَقَالُوا لَوْ مَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّنْ رَبِّهِۚ” (الفرقان: 8)، فبينما كان الناس يطلبون آية، كان القرآن يحمل بين طياته ما يعجز البشر عن مجاراته.

6. الاختصاص بالمعاملات:

ومن الأشكال المدهشة للاختصاص في القرآن الكريم هو تخصيص بعض المعاملات بتشريعات دقيقة تضمن العدالة، ومن أبرز ذلك المعاملات المالية مثل الزكاة والربا. فقد جاء في قوله تعالى:

“وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِّيَرْبُو فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمْ ٱلْمُضْعِفُونَ” (الروم: 39).

وقد خص الله الزكاة بأنها تطهير للمال وبركة له، في حين حرم الربا لأنه يعزز الظلم الاقتصادي ويؤدي إلى تفاوتات اجتماعية.

7. الاختصاص بالخير والشر:

خصص القرآن الكريم بعض الأعمال والنيات للثواب العظيم أو العقاب الشديد، فكما قال تعالى:

“مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُۥٓ خَيْرٌۭ مِّنْهَا” (النساء: 40).

وفي المقابل، خص الله بعض الأعمال بالوعيد الشديد كالقتل أو أكل المال بالباطل أو التسبب في فساد الأرض. جاء ذلك في قوله تعالى:

“إِنَّمَا جَزَاءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلْأَرْضِ فَسَادًۭا أَنْ يُقَتَّلُوا۟ أَوْ يُصَلَّبُوا۟ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ” (المائدة: 33).

8. الاختصاص باليوم الآخر:

أخيرا، خص القرآن الكريم يوم القيامة بالأهمية العظمى في الحياة البشرية. وقد ذكره في العديد من الآيات وخصصه بحسابات دقيقة ومعايير دقيقة لفرز أعمال البشر، سواء كانت صالحة أو سيئة. وقد جاء ذلك في قوله تعالى:

“إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَلَهُمْ جَنَّاتٌۭ جَزَاءًۭ بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ” (البقرة: 82).

خاتمة:

الاختصاص في القرآن الكريم هو مفهوم شامل يطال كل جوانب الحياة، سواء من حيث الزمان، أو المكان، أو الأشخاص، أو الأفعال. وقد عكس القرآن الكريم من خلال هذه الأمثلة العديدة عناية الله تعالى بتوجيه البشر إلى ما فيه مصلحتهم، وحثهم على استثمار هذه الاختصاصات بما يرضي الله سبحانه وتعالى.